تدعم شركات التأمين الجهود الدولية للحد من انبعاثات الكربون بما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 المتمثلة في الحد من الاحترار العالمي للوصول الي نسبة أقل من 2 درجة مئوية ومتابعة الجهود للحد من 1.5 درجة مئوية، ولتحقيق هذه الاهداف فقد تم الاعلان عن الكثير من طرق إزالة الكربون.
ولدعم هذه الإجراءات، شهدت البصمة الكربونية زيادة شعبية في القطاع المالي على مدى السنوات الماضية، كطريقة لقياس انبعاثات الكربون والكشف عنها.
يأتي قياس البصمة الكربونية بالنسبة لمحافظ التأمين مصحوبًا بتحذيرات مماثلة، ولكن لديها أيضًا قدرة على لعب دور مماثل في الاستثمار، حيث يمكن أن تساعد في تنفيذ استراتيجية شاملة لتغير المناخ، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للمقارنة بالمعايير العالمية، لتحديد المجالات ذات الأولوية والإجراءات لخفض الانبعاثات.
ونظرًا لأن قياس البصمة الكربونية لمحافظ التأمين أصبح عنصرًا حاسمًا في فهم وإدارة المخاطر والفرص المناخية، يمكن توقع مشاركة المزيد والمزيد من شركات التأمين في هذه الاستراتيجية.
ومن هنا تركز هذه النشرة على شرح كيفية قياس البصمة التأمينية لمساعدة قطاع التأمين على تطوير فهم أعمق لهذا الموضوع الذي يأتي على رأس القضايا التأمينية المعاصرة.
تعريف البصمة الكربونية
تعتبر البصمة الكربونية مؤشر اقتصادي بيئي يقيس معدل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على مختلف المستويات مثل الافراد او المصانع او المنتجات او حتى الدول، ويتم التعبير عنه عادةً بوحدة الطن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في السنة (طن/ سنة) حيث يمكن هذا المؤشر من تسليط الضوء على اثر الأنشطة البشرية على البيئة وبالتحديد على التغير المناخي.
تتكون البصمة الكربونية من مكونين أساسيين هما:
• البصمة الكربونية الرئيسية (Primary Footprint)، وهي المؤشر المعني بتحديد كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة من حرق الوقود الاحفوري، والذي يعكس مدى استهلاكنا للطاقة في مختلف الأنشطة مثل أنشطة النقل في السيارات والسفن والطائرات، ويعتبر مؤشر يمكننا منه تحديد الأنشطة اليومية التي تشكل جزءاً هائلاً من كمية الانبعاثات.
• البصمة الكربونية الثانوية (Secondary Footprint)، وهي المؤشر المعني بتحديد الانبعاثات غير المباشرة لغاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن دورة حياة المنتجات التي نستخدمها (من مرحلة استخراج المواد الأولية الي مرحلة التصنيع وصولاً الي مرحلة النقل والتوزيع النهائية) وهو مؤشر يتعلق بشكل رئيسي بعمليات التصنيع، أي كلما زاد استهلاكنا للمنتجات المصنعة، زادت كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
قياس البصمة الكربونية
كما سبقت الإشارة، تقاس البصمة الكربونية بعدد الأطنان من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة سنوياً، وتأخذ في الاعتبار جميع الغازات الضارة الأخرى مثل الميثان وهناك العديد من الطرق العلمية المنهجية التي يتم عن طريقها قياس البصمة الكربونية لمقدمي الخدمات اللوجستية على أساس استهلاك الوقود والطاقة وبيانات أداء النقل، وتتضمن خيارات قياس مختلفة لكل نشاط خاص بالشركة.
ويمكن تلخيص عملية قياس البصمة الكربونية في خمس خطوات:
- فهم دوافع القياس: تعد دوافع قياس البصمة الكربونية مهمة لأنها تحدد ماهية العنصر المٌقاس. علي سبيل المثال، يختلف الأمر فيما إذا كان الهدف فقط تقديم تقرير داخلي في العمل كوسيلة للمشاركة أم تقديم التقارير بشكل إلزامي لمعرفة حجم انبعاثات الكربون التي تنتج عن الشركة.
- تحديد الانبعاثات: هناك ثلاثة ” نطاقات ” متفق عليها للنظر في انبعاثات الكربون وقياسها كما يلي:
• يقيس النطاق الأول التأثير المباشر للشركة أو الانبعاثات الناتجة عن الأصول التي تمتلكها الشركة، يتضمن ذلك أشياء مثل مركبات الشركة واستخدام الوقود في موقع العمل.
• يقيس النطاق الثاني الكربون المستهلك والذي يتضمن استخدام الكهرباء والموارد الطبيعية.
• اما النطاق الثالث فيقيس تأثير الموظفين والكربون الذي ينتجونه والذي يشمل: السفر الجوي والنفايات والمركبات المملوكة للشركة والأنشطة التي تجري فيها الاستعانة بمصادر خارجية. - تقليل الانبعاثات: وضع استراتيجية لتقليل الانبعاثات، والتي تجلب فوائد كبيرة للشركة نظراّ لأن قياس الانبعاثات يمكن الشركة من تحديد مجالات عدم الكفاءة بالإضافة الي انه ايضاّ يؤثر في التكلفة.
- التحقق من البصمة الخاصة بالشركة: نظراً لوجود العديد من الأشياء المختلفة التي يمكن قياسها كجزء من البصمة الكربونية، فإن التحقق منها يقيم ما إذا كان القياس يجري بشكل صحيح و للمتغيرات الصحيحة، وما إذا اتم جمع المعلومات بدقة، ويساعد في تحديد كيفية الحد من الانبعاثات.
- الإبلاغ عن الانبعاثات: وذلك من خلال تشكيل تقرير استدامة وعرضه على أصحاب المصلحة بكل شفافية.
دور شركات التأمين في التقليل من الانبعاثات
مما لا شك فيه أن صناعة التأمين تلعب دوراً محورياً في القضايا المناخية ومنها قضية الانبعاثات الكربونية، وقد بدأت شركات التأمين بالفعل التركيز على حساب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) وتقليلها عبر محافظهم الاستثمارية. وعادة ما تكون تلك الانبعاثات الممولة -أي الانبعاثات الناتجة عن المنتجات المؤمن عليها- أكبر بكثير من الانبعاثات الناتجة من العمليات المباشرة للشركة.
وتتمثل الفكرة بشكل أساسي في أنه من خلال تحليل الانبعاثات الممولة، تقرر الشركة كيفية مشاركتها في تغير المناخ، وفي هذا الإطار تقوم بعض شركات التأمين بتحليل انبعاثاتها المؤمنة أو البصمة الكربونية للشركات التي تقدم لها التأمين.
وإذ يعتبر اتجاه حساب انبعاثات الاحتباس الحراري اتجاه ناشئ في صناعة التأمين، حيث أصبحت شركات التأمين تركز على توجيه محافظها الاستثمارية الضخمة بعيدًا عن الأعمال التجارية الملوثة.
وينعكس هذا في التطورات الأخيرة في صناعة التأمين والتي تمثلت في تأسيس تحالف التأمين من أجل الانبعاثات الصفرية Net-Zero Insurance Alliance (NZIA) ، الذي يتألف من ثماني شركات تأمين وإعادة تأمين رائدة ، تلتزم بتحويل محافظ التأمين وإعادة التأمين الخاصة بها إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
فضلاً عن انه في سبتمبر 2021، أعلنت الشراكة من أجل المحاسبة المالية للكربون (PCAF) The Partnership for Carbon Accounting Financials ، بالتعاون مع NZIA ، عن إطلاق مجموعة أعمال لتطوير أول معيار عالمي لقياس الانبعاثات المؤمنة والكشف عنها.
وفي أكتوبر 2021، نشرت فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ (TCFD) Task Force on Climate-related Financial Disclosures تحديثًا لدليل التنفيذ الخاص بها، حيث أوصوا بما يلي:
أنه يجب على شركات التأمين الإفصاح عن المتوسط المرجح لكثافة الكربون أو انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالممتلكات التجارية وفروع التأمين ذات العلاقة بما تسمح به البيانات والمنهجيات.
آليات تقليل البصمة الكربونية
يمكن للأفراد عموما تقليل البصمة الكربونية الخاصة بهم عن طريق استخدام وسائل نقل أكثر استدامة، والتقليل من استهلاك اللحوم، واستهلاك المنتجات المحلية والموسمية وشراء الأشياء المستعملة، والملابس المصنوعة بطريقة مسؤولة بيئياً (معاد تدويرها أو تحمل ملصق بيئي) وغيرها من الممارسات، أما على مستوي الشركات فيمكن للشركات اتخاذ العديد من الاجراءات، ومن أبرزها:
• إعادة التدوير: إذ تحد هذه العملية من عدد المواد الخام اللازمة لإنشاء منتج من الصفر.
• استخدام الموارد المعاد تدويرها: على سبيل المثال، يمكن أن يساعد استخدام المنتجات الورقية المعاد تدويرها في الحد من إزالة الغابات والحفاظ على التوازن البيئي.
• التعامل مع الموردين المستدامين: و يسهل من هذا الأمر أن ثمة شهادات تساعد على اختيار الموردين المستدامين و أبرز هذه الشهادات هي شهادة الأيزو 14001 (ISO 14001).
• حضور الاجتماعات عن بعد عبر تطبيقات الشبكة الدولية للمعلومات: حيث توفر أوقات تنقل الموظفين ونفقات السفر، كما يقلل من انبعاثات السفر للشركة.
• استخدام المواصلات العامة او مشاركة السيارات في رحلات العمل ، خاصة في ضوء انتشار ما بات يعرف باقتصاد المشاركة أو الاستهلاك التشاركي sharing economy /collaborative consumption
مزايا تتبع انبعاثات الكربون باستخدام منهجية بروتوكول الغازات الدفيئة
يمكن تلخيص أهم المنافع المترتبة على تطبيق بروتوكول A Greenhouse Gas Protocol (GHG or GhG)
• بالنسبة لانبعاثات الكربون الناتجة عن الشركة:
تعد انبعاثات الكربون الخاصة بالشركة مقياسًا مهمًا لتأثيرها على البيئة. نظراَ لإنه يمثل مؤشرًا غير مباشر لاستهلاك الطاقة والمنتجات والخدمات ويقيس كم الانبعاثات الكربونية التي تتوافق مع أنشطة أو منتجات الشركة.
• بالنسبة لانبعاثات الكربون الناتجة عن المنتج:
تشمل البصمة الكربونية للمنتج انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة خلال دورة حياة المنتج، من استخراج المواد الخام حتى التخلص من النفايات.
وبالإضافة الي ذلك تتمثل فوائد تتبع بصمة الكربون بالنسبة للشركات في:
- تعزيز الميزة تنافسية
تحسين الصورة الذهنية للشركة Image من قبل العملاء و المستثمرين وأصحاب المصالح. - تأكيد التزام الشركات
أصبح الالتزام الأخضر جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الشركة بقطع النظر عن حجم الشركة. حيث يمكن أن يساعد تقرير البصمة الكربونية للشركة في تحسين موثوقية وصحة البيانات المستخدمة في إعداد تقارير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) والتي باتت مطلب أساسي لتعزيز الاستدامة في مجال الأعمال. - مقابلة متطلبات العملاء والموردين
قد يطلب العملاء الذين يتلقون الخدمات أو المنتجات والموردين معلومات عن البصمة الكربونية. - تعزيز الجاذبية الاستثمارية
■ تقدم المزيد والمزيد من الشركات بيانات عن بصمة الكربون في قاعدة بيانات مشروع الكشف عن الكربون العالمي، والتي تجمع المعلومات للمستثمرين، مما يجعل الشركة أكثر جاذبية للمستثمرين. - تدنية التكاليف
■ يفيد تتبع البصمة الكربونية في تحديد أي جزء من أنشطة الشركة يستهلك أكبر قدر من الطاقة والموارد وحيث يكون هناك إمكانية لتدنية التكاليف بناء على منهجية علمية دقيقة. - التسويق الأخضر
يهتم عدد متزايد من العملاء بتأثير المنتجات على المناخ والبيئة، ومن ثم يدعم تتبع البصمة الكربونية آلية التسويق الأخضر
صلة انبعاثات الكربون بالقطاع المالي
شجعت مبادرات مثل مشروع الإفصاح عن الكربون Carbon Disclosure Project (CDP) ، المعروفة سابقًا باسم “مشروع الكشف عن الكربون” ، وبروتوكول غازات الاحتباس الحراري (GHG) الشركات في جميع القطاعات على الافصاح عن البصمة الكربونية الخاصة بها لعدد من السنوات ، ويلتزم الإفصاح عادةً بالنطاق 1 و 2 و 3 للانبعاثات الموصوفة في بروتوكول الغازات الدفيئة.
تصنف النطاقات الثلاثة تلك الانبعاثات في بروتوكول غازات الاحتباس الحراري (GHG)كالتالي:
• النطاق الأول: الانبعاثات المباشرة من مصادر الشركة.
• النطاق 2: الانبعاثات غير المباشرة للطاقة المشتراة للتشغيل (الكهرباء والتدفئة والتبريد).
• النطاق 3: جميع الانبعاثات غير المباشرة الأخرى من سلسلة القيمة.
تنتج “الانبعاثات المباشرة” أو انبعاثات النطاق 1 مباشرة من إجراءات المنظمة، مثل احتراق الوقود واستخدام مركباتها، بينما تنتج الانبعاثات غير المباشرة عن شراء الكهرباء أو الحرارة أو البخار أو التبريد من مزود الطاقة.
تعتبر انبعاثات الكربون في النطاق 3 هي الأكثر تعقيدًا من انبعاثات المنظمة نظرًا لمدى اتساعها وكيفية اختلافها على نطاق واسع بين المنظمات، مما يقلل من احتمال إدراجها في قوائم جرد غازات الدفيئة في العديد من المنظمات.
وإذ أن سلاسل الإمداد الخاصة بالشركات تتسم بقدر كبير من التعقيد، فإن الإبلاغ عن هذه الانبعاثات يمثل تحديًا، وبالتالي فمازالت توجد فجوات كبيرة حاليًا فيما يتم الكشف عنه.
وتتمثل صلة انبعاثات الكربون المباشرة بالمؤسسات المالية في أن النطاق 3 يشمل انبعاثات الغازات الدفيئة من داخل الأنشطة الاستثمارية للشركة، والمُعرَّفة على أنها انبعاثات ممولة.
ويمكن توضيح أهمية هذا التقييم بالمعادلة الواردة بالإطار التالي
(أي إذا كان المستثمرون يمتلكون x٪ من القيمة السوقية للشركة المستثمر فيها، فإنهم أيضًا ت يمتلكون x٪ من انبعاثات المُصدر).
الدول الأكثر مساهمة في إنتاج انبعاثات كربونية
أصبح المستهلكون حالياً – لاسيما في الدول المتقدمة – أكثر وعيًا بالآثار البيئية للمنتجات التي يشترونها من السوق، فوفقًا لاستطلاع YouGov لعام 2020 لأكثر من 10,000 مستهلك حول العالم، يؤيد ثلثا المستهلكين (64٪) مفهوم وضع العلامات الكربونية على المنتجات لإظهار أن المنتجات قد تم تصنيعها مع الالتزام بقياس وتقليل انبعاثات الكربون.
على المستوى الفردي، يمكن أن يقوم الفرد من خلال مراقبة وقياس بصمته الكربونية الفردية وذلك للمساهمة في التخفيف من آثار تغير المناخ حيث ينتج بعض الافراد كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر من غيرهم وفقاً لنمطهم السلوكي، فعلى سبيل المثال يبلغ متوسط البصمة الكربونية للفرد في الولايات المتحدة ستة عشر طناً، وهي واحدة من أكبر البصمات في العالم.
يمثل متوسط البصمة الكربونية على نطاق عالمي حوالي أربعة أطنان، وللحصول على أفضل فرصة للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، يجب قياس بصمات الكربون على مستويات متعددة.
رأي الاتحاد
تحتاج صناعة التأمين إلى تسريع جهودها تجاه المناخ، والتي بدورها ستتطلب فهماً أوسع وأعمق للمخاطر والفرص المتعلقة بالمناخ. حيث يعد فهم كيفية ملاءمة أجزاء مختلفة من أعمال التأمين مع أطر الاستدامة المحددة خطوات أولى حاسمة للقدرة على تحديد أهداف التخفيض المستندة إلى العلم وبالتالي المساهمة في إجراءات مناخية هادفة.
ومن الجدير بالذكر، تقوم لجنة التأمين المستدام بالاتحاد بدراسة ما يحتاجه سوق التأمين حالياً وذلك لفهم المتطلبات ومساعدة شركات التأمين لتسريع جهودها تجاه المناخ. كما يقوم الاتحاد المصري للتأمين بعمل دليل للتأمين المستدام بحيث يكون دليل استرشادي لشركات التأمين.
هيئة البريد تصدر طابع بريد تذكاريًّا بمناسبة مرور ١٠٠ عام على رحيل فنان الشعب سيد درويش
أصدرت الهيئة القومية للبريد طابع بريد تذكاريًّا بمناسبة مرور ١٠٠ عام على رحيل فنان الشعب س…