خبراء سوق المال: لدينا فرصة ذهبية لمزيد من الإصلاحات وتطوير قدرات سوق المال لجذب الاستثمارات

أكد خبراء سوق المال أن مؤشرات الاقتصاد الكلي في مصر تشهد تحسنًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، مدعومة بتطورات إيجابية على صعيد الاستقرار النقدي وتحسن الأصول الأجنبية. وفي الوقت نفسه، شدد الخبراء على أن استدامة هذا التحسن تظل مرهونة بقدرة الاقتصاد على معالجة المشكلات الهيكلية العميقة، وفي مقدمتها تعزيز الإنتاجية، دعم الاستثمار، وإعادة هيكلة بعض القطاعات الحيوية لضمان نمو متوازن ومستدام.
جاء ذلك خلال فعاليات ندوة “نظرة على أسواق المال” للربع الثالث من عام 2025 التي عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصاديةECES اليوم، والتي حاضر فيها عمر الشنيطي استشاري في المركز،والشريك المؤسس لشركة Zilla Capital المهندس علاء الدين سبع رئيس شركة بسيطة القابضة للمدفوعات، الدكتور محمد العدل رئيس مركز العدل للسياسات، الدكتور شريف سامي الخبير الاقتصادي ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية الأسبق، عمر مهنا رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أليكس سيجورا ممثل مقيم أول لصندوق النقد الدولي.
وناقش الجلسة موضوعات ثرية وهامة، بدءا من تطورات التي حدثت في سوق المال خلال الربع الثالث ونظرة على أسواق المال والسلع في الأسواق وخاصة الناشئة والتي تعد الأكثر تأثرا بفعل التوترات الجيوسياسية في العالم.
هناك حاجة في مصر إلى تطوير أدوات مالية متنوعة لجذب المستثمرين
وناقش المتحدثون العلاقة بين الاقتصاد وسوق المال، فأوضح عمر الشنيطي الاستشاري بالمركز أن العلاقة بين سوق المال والاقتصاد. فهناك من يرى أن البورصة انعكاس مباشر لأداء الاقتصاد، وهناك من يرى أنها يمكن أن تكون محركًا لنمو الاقتصاد. وفي الأسواق الناشئة، تنتشر الرؤية الثانية بشكل واضح، حيث يمكن تطوير سوق المال ليجذب الاستثمارات ويدفع عجلة الاقتصاد. إقناع مستثمر أجنبي بضخ أموال في مصنع جديد يتطلب وقتًا وجهدًا طويلين، لكن من الأسهل إقناعه بالاستثمار في سهم شركة قائمة بالفعل مدرجة في البورصة.
ثانيًا: ما زلنا نفتقد إلى عمق كافٍ في السوق. على سبيل المثال، في 2007 و2008 كانت أحجام التداول تصل إلى نحو 500 مليون دولار يوميًا، أما اليوم فهي بالكاد تبلغ 50 مليون دولار، أي أننا تراجعنا بنسبة تقارب 90% خلال 20 عامًا. هذا يعكس الحاجة الماسة إلى طروحات جديدة وجذابة قادرة على تحفيز المستثمرين، مثلما حدث مؤخرًا مع بعض الطروحات التي أظهرت تعطش السوق لفرص استثمارية جادة، رغم أن بعضها لم يوفق. نحن بحاجة إلى ما لا يقل عن 20 إلى 30 طرحًا قويًا بحلول 2030 لضمان استقطاب استثمارات واسعة ومستدامة.
ثالثًا: في ما يتعلق بسعر الصرف والذهب، شهدنا في الفترة الأخيرة تقاربًا بين السعر الرسمي (48 جنيهًا للدولار) والسعر المتداول (50 جنيهًا)، وهو فارق ضئيل نسبيًا، لكن استمرار هذه الفجوة قد يبعث برسائل سلبية. أما بالنسبة للذهب، فالتقارير تشير إلى أن 23% من مشتريات الذهب عالميًا جاءت من البنوك المركزية، وخاصة في الصين وآسيا، في محاولة لتقليل الاعتماد على الدولار. هذا التوجه يعكس عقلية جديدة ترى في الذهب أداة للتحوط بعيدًا عن الأسواق التقليدية.
وأكد الشنيطي أننا نحتاج في مصر إلى تطوير أدوات مالية متنوعة مثل صناديق الذهب، أنواع متعددة من الأسهم والصكوك، وخيارات استثمارية مبتكرة، حتى نتيح للمستثمرين بدائل متنوعة تشجع على ضخ الأموال في السوق بدلًا من الاكتناز أو الاستثمار قصير الأجل.
واختتم حديثه بأن أسعار الذهب الحالية قد تكون منطقية في ظل التوترات العالمية، لكنها مبالغ فيها على المدى الطويل. فهي تصلح كأداة تحوط مؤقتة، وليست خيارًا دائمًا لبناء الثروة. لذلك تبقى استدامة هذه الأسعار محل تساؤل كبير.”
إدارة الدولة للموارد وتوزيعها – تخلق إشكالية حقيقية
كما تحدثوا عن طبيعة نمو الاقتصاد المصري، حيث أوضح الدكتور محمد فؤاد رئيس مركز العدل للسياسات البديلة أن فمعدلات النمو عند حدود 4% أو أكثر قليلًا لا تكفي لإحداث تنمية بشرية شاملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة هذا النمو – المبني في جانب كبير منه على إدارة الدولة للموارد وتوزيعها – تخلق إشكالية حقيقية، لأنها تؤدي إلى أنماط من “الزبائنية” وتوازنات داخلية تضع الدولة في موقع الموزع أكثر من موقع المُحفِّز للنمو والإنتاجية.
هذه المنظومة تجعل الاستثمار في كثير من الأحيان تابعًا لقرارات الدولة، وهو ما يضعف قدرة السوق على النمو الطبيعي ويؤدي إلى مشكلات هيكلية مستمرة. كما أن التركيز على تثبيت سعر الصرف أو الاكتفاء بالحد الأدنى من النمو يعطل الحوار الحقيقي حول نوعية النمو وجودته.
ولذلك، فإن التحدي أمام مصر اليوم ليس فقط في رفع معدلات النمو، بل في تحسين نوعيته وجودته. نحن بحاجة إلى أدوات وسياسات جديدة قادرة على دفع الاقتصاد نحو مسار أكثر استدامة، تمامًا كما حدث مع مشروعات استراتيجية مثل قناة السويس أو قطاع السياحة، لكن مع تطوير أدوات حديثة تُواكب المتغيرات العالمية.
الحاجة إلى نظرة جديدة لتحويلات العاملين في الخارج
كما تحدث الخبراء عن تحويلات المصريين في الخارج وكيفية الاستفادة منها بشكل جاد لدعم الاقتصاد المصري، حيث أشار المهندس علاء الدين سبع رئيس مجلس إدارة شركة بسيطة القابضة أنه عندما نتحدث عن التنمية، لا ينبغي أن نختزلها في أسواق المال فقط. في مصر، هناك انفصام واضح في النظر إلى الأسواق المالية؛ فهي تُعامل أحيانًا على أنها مجرد مؤشر ثانوي، بينما هي في الأساس يمكن أن تكون أداة فعالة لدفع الاقتصاد.
من الضروري أن ننظر إلى الأسواق المالية باعتبارها رافعة للاقتصاد، لا مجرد مرآة له. وأتفق مع ما قيل عن أهمية ربط النمو الاقتصادي بقدرة هذه الأسواق على جذب التمويل وتوظيفه بكفاءة.
لكن في الوقت نفسه، الاقتصاد الحقيقي لا يقوم فقط على أسواق المال، بل على قطاعات الإنتاج: الزراعة، الصناعة، والخدمات. وهذه القطاعات هي التي تخلق القيمة الحقيقية وتزيد الدخول وتدعم الاقتصاد الكلي. المشكلة أن السياسات الحالية تفتقر إلى رؤية واضحة، سواء على مستوى الحكومة أو المؤسسات المعنية.
وأوضح أن هناك حاجة للاستفادة من تحويلات المصريين في الخارج وليس فقط إيجاد وسائل لإستغلالها لمجرد إنها عملة صعبة، فالعمالة المصرية في الخارج. في حاجة إلى استراتيجية شاملة لإعداد وتأهيل الشباب، ليس فقط عبر فرص عمل داخلية محدودة، بل من خلال تدريبهم على الحرف، واللغات، والمهارات التي تمكّنهم من المنافسة في أسواق العمل الخارجية. العمالة المؤهلة يمكن أن تتحول من مجرد مصدر تحويلات مالية بالعملة الصعبة، إلى قيمة مضافة مستدامة تدعم الاقتصاد المصري لعقود طويلة.
بعبارة أخرى: بناء مصنع يحتاج إلى سنوات، لكن تأهيل شاب واحد بمهارة مطلوبة عالميًا قد يستغرق وقتًا أقصر ويحقق عائدًا أسرع. لذلك، يجب أن ننظر إلى المصريين العاملين بالخارج ليس فقط كمصدر للأموال، بل كطاقة إنتاجية يمكن الاستثمار فيها لزيادة القيمة المضافة للاقتصاد.”
يجب تحويل تجربة صندوق النقد الدولي إلى فرصة حقيقية لدعم الاقتصاد
وأشار المتحدثون إلى أهمية الإصلاحات الهيكيلة في الاقتصاد المصري، حيث اوضح عمر مهنا رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية ECES أن صندوق النقد الدولي تم التقليل من دوره في الاقتصاد المصري ، ورغم ذلك فإن البرنامج القائم مع صندوق النقد الدولي يُعد ناجحًا إلى حد بعيد.
وأضاف أن الأهم في مرحلة ما بعد صندوق النقد الدولي ليس مجرد الدخول في برنامج آخر، بل أن نستفيد من الثقة الكبيرة التي نكسبها عبر هذه التجربة، بحيث تتحول إلى فرصة حقيقية لدعم الاقتصاد وتعزيز مكانة مصر على المدى الطويل.
يجب أن نعمل على إعادة ثقة الأفراد والمؤسسات في السوق المصري
وناقش المتحدثون نقاط جوهرية مثل زيادة أعداد الشركات ذات الحجم الكبير في سوق المال المصري، حيث أوضح الدكتور شريف سامي أن مسألة خروج بعض الشركات من البورصة ليست حكرًا على مصر، فهذا أمر يحدث عالميًا أيضًا، ولا يُعد بالضرورة عيبًا في الدولة أو في السوق. فلكل شركة اعتبارات خاصة تتعلق بتقييمها أو بظروف نشاطها، مثل شركات الصناعات الغذائية أو الشركات التي خضعت لعمليات استحواذ. لذلك فإن الخروج والدخول من السوق أمر طبيعي.
وأكد أن الأهم من ذلك أن السوق يحتاج إلى شركات أكبر حجمًا وأكثر تنوعًا في القطاعات، فهناك قطاعات رئيسية تكاد تكون غائبة. كما أن المؤسسات الأجنبية حين تدخل تحتاج إلى استثمارات بملايين الدولارات، وهو ما لا تتحمله الشركات الصغيرة نسبيًا. لذلك نحن بحاجة ماسة لطرح شركات كبرى قادرة على جذب هذه الأموال.
وأضاف أن لدينا كيانات مؤسسية ضخمة داخل مصر تدير أموال المصريين مثل التأمين الصحي الشامل، التأمينات الخاصة، شركات الكهرباء، قناة السويس، والجامعات. ومع ذلك، فإن نسبة استثمار هذه الكيانات في البورصة ما تزال محدودة جدًا. هذا يتطلب تحركًا مباشرًا لتفعيل مشاركتها في السوق.
كما أضاف أيضا أنه من المهم توسيع أدوات الاستثمار المتاحة، مثل السندات وأدوات الدخل الثابت، التي يمكن أن تمنح المستثمرين فرصًا جديدة. وفي المقابل، نحتاج إلى زيادة الطروحات الجديدة؛ ففي السنوات الأخيرة كان الإعلان عن طروحات كثيرة، لكن ما تم تنفيذه فعليًا محدود للغاية.
واختتم حديثه بأنه يجب أن نعمل على إعادة ثقة الأفراد في السوق، بحيث يوجهون جزءًا من مدخراتهم إلى الاستثمار في البورصة دون قلق من التذبذبات الطبيعية، مثلما يحدث في الأسواق العالمية، بدلاً من الاعتماد فقط على شهادات الادخار.”
وقال أليكس سيجورا أوبيرجو الممثل المقيم الأول لصندوق النقد الدولي في مصر أن البرنامج الإصلاحي يشهد تقدماً ملحوظاً في العديد من المجالات، خاصة على صعيد استقرار الاقتصاد الكلي وتنفيذ بعض الإصلاحات في الجمارك، إلا أن هناك حاجة لمزيد من الجهود فيما يتعلق بتطبيق سياسة ملكية الدولة وتكافؤ الفرص بين مختلف القطاعات.
وأضاف أن الصندوق يولي اهتماماً خاصاً بالاستثمارات العامة، موضحاً أن السلطات التزمت بوضع سقف محدد يتماشى مع استقرار الاقتصاد الكلي، مع التركيز على الاستثمارات ذات العائد المرتفع التي تعزز الإنتاجية مثل البنية التحتية والتعليم وتنمية رأس المال البشري. وأشار إلى أن الصندوق في انتظار التقرير النهائي للسلطات المصرية لتقييم التزام الاستثمارات بالسقف المعلن.
وفيما يخص البعد الاجتماعي، شدد ممثل الصندوق على أن الاستقرار الاقتصادي لا ينفصل عن دعم الفئات الأكثر احتياجاً، لافتاً إلى أن برامج مثل تكافل وكرامة أثبتت فعاليتها وأن الصندوق يرحب بزيادة المخصصات لها وتوسيع نطاقها. كما أوضح أن الصندوق لا يوصي بزيادة الأسعار، بل يتطلع إلى استمرار انخفاض معدلات التضخم، مع الإشارة إلى أن بعض التعديلات في أسعار الوقود كانت قرارات سيادية لتخفيف الأعباء عن الموازنة وتوجيه الوفورات لدعم الحماية الاجتماعية.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، أشاد ممثل الصندوق بإدارة البنك المركزي المصري للتضخم، مؤكداً أن استمرار تراجع معدلاته يفتح المجال لخفض تدريجي لأسعار الفائدة التي ما زالت مرتفعة. وأوضح أن الأهم في المرحلة المقبلة هو تحسين بيئة الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، باعتبارها الأكثر استدامة مقارنة بالتدفقات قصيرة الأجل.
واختتم قائلاً: “نحن ملتزمون بمواصلة دعم جهود مصر لتحقيق استقرار اقتصادي يعزز النمو ويوفر فرص عمل، بما ينعكس إيجاباً على حياة المواطنين”.
فقاعة الذكاء الاصطناعي .. محمد العريان: هؤلاء ستنتهي استثمارتهم في الذكاء الاصطناعي بالدموع
قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد العريان أن فقاعة الذكاء الاصطناعي ليست كما يبدو، مشيرا إ…